تنسيقية المناصفة 

 مارية شرف، خبيرة في مجال حقوق الإنسان و المناصفة

 أسماء الوديع، فاعلة حقوقية 

 رشيد أيلال، إعلامي وباحث في الموروث الثقافي الإسلامي

 سعيد الكحل، أستاذ و باحث في حركات الإسلام السياسي

توصيات

1 – جواز تقسيم صاحب الملك للتركة بين ورثته في إطار  الوصية و الهبة و الصدقة.

2 – اعتماد الوصية قاعدة لتقسيم الارث بالمساواة بين الجنسين.

3 – تأطير الوصية قانونيا بما يضمن المساواة في القسمة بين الجنسين بدون تمييز.

4 – حماية الوصية، الهبة والصدقة من الطعون أمام القضاء.   

5 – المساواة في الإرث بين الذكور والإناث.

6 – إلغاء التعصيب.

7 – اعتماد قاعدة “الردّ” في تقسيم التركة عند وجود بنت/بنات في الأسر التي لم تُرزق ذكورا.

8 – التنصيص قانونيا على أن القرابة هي معيار  الحق في الإرث وليس العقيدة.

9 – مواءمة المدونة مع  الدستور  الذي ينص على المساواة بين الجنسين .

10- ضرورة تحديث المناهج التعليمية وتطويرها بما يسهم في خلق جيل مؤمن بمبادئ المساواة وحقوق الانسان و منفتح على المتغيرات العلمية والتكنولوجيا  في العالم.

تقديم

عرفت الحركة الحقوقية بالمغرب منذ أزيد من عقدين من الزمن مناشدات  و نضالات متعددة من أجل إقرار مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات  بين الجنسين. كما تضمن التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المغربي حول “وضعية المساواة والمناصفة بالمغرب” الذي صدر في يوليوز 2015، عدة توصيات لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة  ومن ضمنها توصية المساواة في الميراث، أثارت حينها نقاشا واسعا بالمغرب، كان هو الأول من نوعه في العالم العربي، بشأن المساواة في الإرث بين الجنسين.

ونظرا لحساسية الموضوع المتعلق بـالمساواة في الإرث، ظل هذا المطلب يتأرجح بين مد وجزر رغم الخطابات التوجيهية العديدة لملك البلاد و المنادية بأهمية إسهام المرأة في التطور الاقتصادي، الأمر الذي لا ولن يتأتى إلا بإقرار المساواة بين النساء والرجال في جميع المجالات. 

وظل خطاب جل الجمعيات الحقوقية والهيئات والمنظمات ذات الاهتمام يكاد يكون محتشما مما جعل مطلب المساواة في الإرث يتعثر حينا و يطفو أحيانا،  رغم مناهضة القوى المحافظة وتربصها بالموضوع.

ومن هذا المنطلق ارتأت تنسيقية المساواة الانكباب على هذا الجانب،  لما له من أهمية، حيث قامت بصياغة مذكرة بعنوان  “من أجل المساواة في الإرث”، وذلك من أجل تعبيد الطريق نحو إسهام النساء  في التنمية والنهوض بقضايا الوطن، الأمر الذي لن يتأتى إلا بتحديث مدونة الأسرة وجعلها مواكبة للتطور الحاصل في المجتمع، انطلاقا من التعاليم السمحة للإسلام وعملا بالنص القرآني و تفعيلا للدستور المغربي والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب و مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.

لقد مهد خطاب العرش لسنة 2022 المجال أمام تعديل جوهري لمدونة الأسرة، وأكد على ضرورة ملاءمة بنودها مع الدستور والمواثيق الدولية،  باعتبار أن المدونة، رغم حداثتها، ظلت تتضمن بنودا تكرس الحيف ضد النساء وتناقض الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، خصوصا  في مجال إقرار المساواة بين الجنسين ورفع كل أشكال التمييز القائم على النوع.

فإذا كانت المدونة قد وُضعت قبل دستور 2011، فإن هذا الأخير يفرض تحيينها انسجاما مع بنوده التي تنص على المساواة والمناصفة بين الجنسين،   وعلى تبني منظومة حقوق الإنسان في بعدها العالمي. ويقتضي هذا التنصيص مراجعة كل التشريعات المغربية لتكون منسجمة مع قيم العصر ومبادئ حقوق الإنسان و من أجل تشريع نصوص قانونية تحمي تلك الحقوق وتلغي  ما يتعارض معها. 

مراجعة منظومة الإرث ضرورية لإنصاف المرأة

مساهمة منا في النقاش المفتوح حول مراجعة مدونة الأسرة تنفيذا للتوجيه الملكي في خطاب العرش لسنة 2022، يمكن الإدلاء بالآراء التالية أملا في التنوير والتحسيس بضرورة المراجعة وأهمية إلغاء الفصول التي تكرس الحيف والظلم الاجتماعيين لشريحة واسعة من الإناث. فمسألة مراجعة منظومة الإرث باتت تطرح نفسها بكل حدّة بسبب تفشي أشكال الظلم الاجتماعي الناتج عن الارتهان إلى إنتاج فقهي أفرزه سياق اجتماعي وتاريخي يختلف جذريا عن السياق الحالي  ويتعارض مع روح النص القرآني ويبتعد عن مقاصده. فتعديل منظومة الإرث  لم يعد ترفا، بقدر ما صار ضرورة ملحة لعدة اعتبارات أهمها:

1-الاعتبار الديني 

 يتمثل الاعتبار الديني في التشريعات الإسلامية المستندة إلى القرآن الكريم  وإلى الأحاديث النبوية. إن أهم ثابت يقوم عليه الإسلام هو المساواة في أعظم مسؤولية دينية وسياسية واجتماعية، ألا وهي “الولاية” كما هو واضح في قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر)ِ التوبة:71 . ونفس المساواة شدد عليها الرسول الكريم في قوله (النساء شقائق الرجال) الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داوود. ومعنى شقائق أي متساوون في الأحكام.  يؤسس القرآن الكريم لقاعدة مراجعة وتعديل الأحكام الشرعية حتى لا تظل نصوصه جامدة الفهم والتأويل. فالله تعالى، عالم الغيب والمستقبل، علّم رسوله والمسلمين الانفتاح على حركية المجتمع من خلال نسخ أحكام والإتيان بأخرى تبعا لما تقتضيه مقاصد الشرع واستعداد المجتمع لتقبلها، حتى لا يكون الدين عُسرا ومشقة. فمن أهم مقاصد الشريعة الإسلامية وأوْكَدها: تحقيق العدل والقسط (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8) ورفع الظلم (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) والتيسيرعلى الناس ورفع الحرج عنهم (يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العسر). فأي تشريع لم يعد يحقق مقاصد الشريعة وجب تعديله أو إلغاؤه   بما ينسجم ويحقق مقاصد الدين الإسلامي ويعبر عن موقف المسلمين من قضية ما حسب ما تقتضيه مصالحهم العامة. إذ حيث توجد أو تتحقق تلك المصالح   فتم شرع الله، كما عبّر عن هذا عبد الله بن مسعود لما قال (ما رءاه المسلمون حسناً فهو عند الله حسنٌ)، أو كما قال ابن القيم (أينما يكون العدل فثم شرع الله). 

أ- دراسة قرآنية مقاصدية  

تصدير

لا أحد يجادل في أن الإسلام، جاء لتحقيق مقاصد هامة، لإسعاد الإنسان،  تحقيقا للعدالة والمساواة، وتمكينا له في الأرض وتكريما لجنسه ذكرا وأنثى بالقسط، وبلا تمييز ولا إقصاء ولا إجحاف(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (70-الإسراء).

وقد كان الهدف الأساس لمقاصد الشريعة هو نفي الضرر ورفعه وقطعه، عبر الحفاظ على الكليات الشرعية الخمس، وهي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وأجازت وقف العمل بالنص الشرعي حتى تتحقق هذه المصالح، في حال تعارض النص مع المصلحة، لذلك ارتأينا أن نخصص هذه الدراسة القرآنية المقاصدية لمناقشة الإشكالات المتعلقة بالاجتهاد الفقهي، بخصوص نظام الإرث والوصية، تحت مجهر القرآن ومقاصد الشريعة.

الدين والتراث الديني

بين يدي هذه الدراسة وجب الوقوف على هذين المفهومين، حتى لا نتهم بمخالفة الدين أو أننا ندعو إلى مخالفته، باعتبار أن الدين هو الرسالة الإلهية التي جاء بها رسل الله وأنبياؤه للناس، لتحقيق الصلاح والفلاح، وينتج عنها الاتصال الدائم بالله عبر شرائعه وشعائره.

أما التراث الديني فهو التفاعل مع الدين(الرسالة) بالفهم والاجتهاد والرواية، ودراستنا هذه ستنصب بالأساس على مناقشة التراث الديني وليس الدين. باعتبار أن الفهم والاجتهاد هو بشري، وما أنتجه البشر يجوز للبشر التعديل فيه والتبديل، بما يتماشى مع التطور المعرفي والمصلحة العامة.

دعوة أمير المؤمنين لتعديل المدونة

ووفق معايير تقدمية و مقاصدية واضحة دعا جلالة الملك محمد السادس بصفته أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، إلى تعديل مدونة الأسرة لتساير قاطرة التنمية التي يسير عليها المغرب، بما يحقق المساواة والمناصفة بين الذكور والإناث، حيث أكد جلالته في خطاب العرش 2022 الذي يصادف الثلاثين من يوليوز على أنه:” لن نتمكن من رفع التحديات الداخلية والخارجية، إلا بالجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود، لتوطيد الاستقرار الاجتماعي، والنهوض بوضعية المرأة والأسرة؛ وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني”.  مضيفا في ذات السياق بأن“حرصنا منذ اعتلائنا العرش، على النهوض بوضعية المرأة، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها. ومن أهم الإصلاحات التي قمنا بها، إصدار مدونة الأسرة، واعتماد دستور 2011، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وينص على مبدإ المناصفة، كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه”.

هذه المدونة التي شكلت قفزة هامة الى الأمام إلا أنها حسب الخطاب الملكي السامي لم تعد كافية، حيث شدد على ” أنها أصبحت غير كافية؛   لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها. ومن بينها، عدم تطبيقها الصحيح،  لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء”.

ضوابط للتعديل والاجتهاد

إن المتمعن في الخطاب الملكي السامي المشار إليه سيجد بأنه أعطى محددات  لكل اجتهاد في إطار مدونة الأسرة أولها:

 التوازن: أكد جلالته في الخطاب على أن مدونة الأسرة “ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها،  فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال” 

وعليه فإن كل اجتهاد أو تعديل لهذه المدونة يجب أن يراعي مبدأ التوازن،  بما يحقق المساواة والعدل بين كل مكونات الأسرة.

الثابت الديني: شدد جلالة الملك خلال خطاب العرش على أهم محدد من محددات الاجتهاد في مدونة الأسرة، وهو الثابت الديني، حيث أبرز أن النص القرآني القطعي هو المرجع الأساس الذي لا محيد عنه في كل عمل اجتهادي،  وهو ما حرصنا على مراعاته خلال هذه الدراسة،  وذلك بقوله” وبصفتي أمير المؤمنين، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.

مقاصد الشريعة: وحرص جلالته أن يتم ذلك كله في إطار مقاصد الشريعة  التي تؤكد على أن الاستنباط يجب أن يكون في خدمة القصد، مع تفعيل مبدأ التشاور بين مكونات المجتمع المغربي وفعالياته ومؤسساته حيث جاء في ذات الخطاب:” من هنا، نحرص أن يتم ذلك ، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”.

ب – الوصية الواجبة ونظام الإرث

الوصية الواجبة

في كل بلدان العالم، وفي كل الأنظمة تجد الأساس القانوني والعقلي لتقسيم التركة هو (الوصية) وهذا ما سار عليه القرآن في الحث على أن يكتب صاحب الثروة وصيته التي اعتبرها الإسلام واجبة لتقسيم ثروته وذلك في قوله تعالى: 

(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) البقرة.

وبهذه الآية القطعية الدلالة، تكون الأمور واضحة بل أشد وضوحا،   فصاحب الثروة الذي راكمها وأسسها وأنتجها ووفرها، يكون هو صاحب الحق الأول في توزيعها بين المقربين منه، فهو الأجدر بذلك والأدرى، بشرط –طبعا- أن لا يكون سفيها، أي غير مؤهل لتقسيم ثروته على مستحقيها بما يحقق العدل، لأن الأصل في المال أن لا يؤتى للسفيه الذي لا يحسن التصرف والتدبير،  سواء كان ذكرا أو أنثى، حيث ينص القرآن على ذلك بقوله:” (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) النساء وليس كما ادعى بعض المفسرين الذين طغت ذكوريتهم بشكل يتعارض مع المقصد الإلهي في المساواة بين الذكور والإناث،  حيث ادعوا بأن السفهاء هنا هن النساء وكذلك الصبيان بشكل عجيب غريب، لم تشر إليه الآية من سورة النساء لا من قريب ولا من بعيد.

كانت الوصية بشكلها القرآني ستكون تشريعا طبيعيا ومنطقيا، لولا أن الفقهاء جاؤوا بحديث ألغى الوصية للورثة، نسب للرسول، وترتبت عليه أحكام فقهية كبرى، غيرت من معالم الفقه الإسلامي بخصوص توزيع الثروة، وتقييد صاحبها ومالكها، بل ومنعه من تقسيمها بين ورثته بالشكل الذي يريد، فكان حديث  “لا وصية لوارث”، فما قصة هذا الحديث؟ وهل يصمد أمام مبضع الجرح والتعديل؟ وهل يصح أن ننسخ ونلغي به حكما ورد في القرآن؟ !

أول شيء سنعلمه ونحن نمحص حديث لا وصية لوارث، هو أن هذا الحديث يعاني من مشاكل على مستوى السند، حتى أن البخاري في الجامع الصحيح  لم يروه، لأنه لم تثبت لديه صحته، لذلك فالبخاري إنّما جعل عنوان الباب (لا وصيّة لوارثٍ)، لكنه لم يرفعه للرسول ولم يروه واكتفى في هذا الباب  من الصحيح برواية حديث موقوف على ابن عبّاس يُفيد شيئا قريبا من هذا المعنى. (انظر: صحيح البخاري 3: 188( ولا يمكن لأي عاقل أن يلغي وينسخ حكما قطعيا في كتاب الله، بنص ظني موقوف على صحابي ولم يرفع حتى للرسول !

 وقد تكلّم العديد من المحقّقين في طُرُقه، كالشافعي في الرسالة: 139 ـ 140،   رقم (398 ـ 401).والطحاوي كما عند الألباني في إرواء الغليل 6: 96 فإنّه قال: «…وإنْ كان ذلك كلّه لا يقوم من جهة الإسناد؛ والبيهقي، فإنّه قال:  «قد رُوي هذا الحديث من أوجه أُخَر كلّها غير قوية، والاعتماد على الحديث الأول كما في السنن الكبرى 6: 265 ، وهو حديث ابن عبّاس الموقوف؛   أما الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 5: 278، فإنّه قال: «ولا يخلو إسناد كلٍّ منها عن مقالٍ، وإنْ حاول بعد ذلك الدفاع عن جعله مستنداً. فقد قال بعد ذلك: «ولكن مجموعها أنّ للحديث أصلاً» وإن ضعفه اسنادا  (فتح الباري 5: 278)، أما  الخطّابي الذي هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطّاب البستي، المتوفّى عام 388هـ، صاحب التصانيف، منها:   معالم السنن شرح لسنن أبي داوود (الذهبي، تذكرة الحفّاظ 3: 1018،  رقم (950)). أنّه قال: «…وإسناده فيه ما فيه، كما في  إرواء الغليل 6:   96 بل إنّ ضعف الحديث كان من الواضحات عند أهل الفنّ من القدماء،   ومع ذلك كلّه فقد عرّض الألباني (السلفي) بهم، فقال: «إنّما صدر ذلك منهم بالنظر إلى بعض الأسانيد والطرق التي وقعت لهم، وإلاّ فبعضها قوي.. ».

ومن أدق ما قيل في بيان ضعف حديث لا وصية لوارث ما أوضحه محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار حينما قال: «إنّه لم يصل إلى درجة ثقة الشيخين به، فلم يرْوِه أحدٌ منهما مسنداً. ورواية أصحاب السنن محصورة في عمرو بن خارجة وأبي أمامة وابن عبّاس. وفي إسناد الثاني إسماعيل بن عيّاش، تكلَّموا فيه،  وإنّما حسَّنه الترمذي؛ لأنّ إسماعيل يرويه عن الشاميين، حيث جاء في سنن الترمذي 3: 293، ح2203: هناد وعليّ بن حجر، عن إسماعيل بن عيّاش،    عن شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعتُ النبي‘     يقول في خطبته عام حجّة الوداع:… قال الترمذي: ورواية إسماعيل بن عيّاش عن أهل العراق وأهل الحجاز ليس بذاك في ما يتفرّد به؛ لأنّه روى عنهم مناكير. وروايته عن أهل الشام أصحّ. هكذا قال محمد بن إسماعيل: سمعت أحمد بن الحسن يقول: قال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن عيّاش أصلح بدناً من بقيّة، ولبقية أحاديث مناكير عن الثقات. وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: سمعت زكريا بن عدي يقول: قال أبو إسحاق الفزاري: خذوا من بقية ما حدَّث عن الثقات،  ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عيّاش ما حدّث عن الثقات، ولا غير الثقات.  وقد قوّى بعض الأئمّة روايته عنهم خاصّة.

وحديث ابن عبّاس معلولٌ؛ إذ هو من رواية عطاء عنه، وقد قيل:  إنّه عطاء الخراساني، وهو لم يسمع من ابن عبّاس، وقيل: عطاء بن أبي رباح، فإنّ أبا داوود أخرجه في مراسيله عنه. وما أخرجه البخاري من طريق عطاء بن أبي رباح موقوفٌ على ابن عبّاس، كما في صحيح البخاري 3: 188. والسند: محمد بن يوسف، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عبّاس، قال: كان المال للولد و….وما رُوي غير ذلك فلا نزاع في ضعفه، من قبيل:  ما رواه أبو داوود في السنن 1: 656، ح2870؛ 2: 156، ح3565. والسند: عبد الوهّاب بن نجدة الحوطي، عن ابن عيّاش، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة قال: سمعتُ رسول الله‘ يقول:… وشرحبيل لم يسمع من أبي أمامة،  فالحديث مرسَلٌ.

ثمّ أضاف صاحب المنار مستخلصا النتيجة التي وصل اليها من خلال تشريحه لأسانيد الحديثين بقوله: «فعُلم أنّه ليس لنا روايةٌ للحديث صُحِّحت، إلاّ رواية عمرو بن خارجة. والذي صحَّحها هو الترمذي سنن الترمذي 3: 293، ح2203. فإنّه ـ بعد نقله لحديث إسماعيل بن عيّاش ـ قال: «وفي الباب عن عمرو بن خارجة وأنس بن مالك. هذا حديثٌ حَسَنٌ». ثمّ نقل حديثاً آخر، عن قتيبة، عن أبي عوانة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة… ثمّ قال: «هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح». (سنن الترمذي 3: 293، ح2204).وهو من المتساهلين في التصحيح. وقد علمت أنّ البخاري ومسلم لم يرضياها، فهل يُقال: إنّ حديثاً كهذا تلقَّتْه الأُمّة بالقبول؟(رشيد رضا، تفسير المنار 2: 138.)

من خلال ما سبق يظهر بشكل جلي أن الكثير من الفقهاء قد زلت بهم الأقدام عندما نسخوا آية الوصية بحديث ضعيف، ثم بحديث موقوف على صحابي وغير مرفوع للرسول، سيما أن معظم الأحاديث ظنية الثبوت، بينما القرآن قطعي الثبوت،  ولا يجوز بأي حال من الأحوال نسخ القطعي بالظني، والإلهي بالبشري، وبالتالي فإننا نرى أن الوصية للوارث يجب أن تكون هي الأصل بخصوص تقسيم التركة، ف(الوالدين) كما في الآية الكريمة هما من الورثة، وكذلك (الأقربين) إذ أن الزوج والأبناء هم من الورثة ويعتبرون من أقرب الأقربين أيضا، وبالتالي فالآية القرآنية تعطي الحق لصاحب التركة أن يوصي لمن شاء من الورثة وغير الورثة بنصيب من التركة أو كل التركة حسبما هو مقرر في القرآن، ويتناسب مع حق صاحب المال في توزيعه بشرط عدم الاجحاف في الوصية.

التسوية والتفضيل

إذا كانت هذه المذكرة تنادي بالمساواة في الإرث، فإن لها في ذلك أصلا أصيلا و ركنا حصينا من الدين، وإذا كانت الوصية حقا شرعيا وعقليا ومنطقيا لصاحب التركة والثروة، لتقسيمها بين أبنائه وأقاربه، فإن من العدل المساواة والتسوية في العطاء، مع إمكانية التفضيل للنساء، وسنرى كيف يتم طمس أحاديث كثيرة واردة في التسوية بين الأبناء في العطاء، وإذا كان لا بد من إيثار وتفضيل فيجب أن يتم للنساء.

روى البخاري (2587 ) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ :  تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ) فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ .
ولمسلم (1623) : ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بَشِيرُ ،  أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ :  ( فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْر)ٍ  .

فالوصية للأبناء والصدقة عليهم  والهبة لهم، تقتضي العدل والمساواة بين الأبناء، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، ولا يجب أن يكون هناك تفضيل لأحد الأبناء على الآخر، ولا ندري لماذا يتم تغييب مثل هذه الأحاديث الواضحة في الدعوة للمساواة في ما يملكه الوالدان، إذا أرادا أن يحولا ملكيته للأبناء، وفي هذا يقول ابن قدامة في المغني: ( يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية، إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل، فإن خص بعضهم بعطيته،   أو فاضل بينهم فيها :   أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين، إما رد ما فَضَّل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر،  قال طاوس : لا يجوز ذلك،  ولا رغيف محترق، وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد، وعروة  ” انتهى من “المغني) (5/ 387) .

ويحكي ابن قدامة في نفس المرجع السابق على أن التسوية في العطاء هو رأي جمهور الفقهاء، يقول:( وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي،  وابن المبارك :   تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد : ” سوِّ بينهم ” ، وعلل ذلك بقوله: أيسرك أن يستووا في برك ؟ قال : نعم ، قال : فسوِّ بينهم ، والبنت كالابن في استحقاق برها، وكذلك في عطيتها، وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثرا لأحد لآثرت النساء على الرجال ) رواه سعيد في ” سننه “؛  ولأنها عطية في الحياة، فاستوى فيها الذكر والأنثى، كالنفقة والكسوة .  ( انتهى من “المغني. (5/ 389). 

هذا النص لابن قدامة يمكن أن يشكل أرضية هامة للعدل بين الإناث والذكور في الإرث وتقسيم التركة، كما يشكل أرضية هامة وواضحة المعالم في الوصية، والأجمل من هذا كله، أن المذهب المالكي يؤيد مسألة المساواة ، وهو رأي الحنفية والشافعية أيضا، وقد شذ أحمد بن حنبل عن هؤلاء، ليصبح رأي الجمهور الغالب هو المساواة في العطاء بين الأبناء، الذي يساعدنا في وضوح الرؤية، للقيام بخطوة هامة إلى الأمام، في هذه المسألة  سواء في نظام الوصية والصدقة والهبة، أو في نظام الإرث، مع التنبيه إلى حديث الرسول الذي يشير إشارة لا لبس فيها، بأنه لو كان سيفضل أحدا في العطاء لفضل النساء، وهو الأمر الذي لا يجب أن نمر به مرور السحابة العابرة في سمائها، بل يتوجب الوقوف عنده، لتوجيه أصابع الاتهام لكل الممارسات الفقهية، التي مارست الحيف ضد المرأة، وكل الممارسات التي تمارس ضدها في المحاكم، فعندما يهب للأنثى أبوها شيئا من تركته،  ويعمد الورثة الى الطعن في هذه الهبة ففي الغالب العام يحكم ضد الموهوب لها وتنزع منها الهبة، ظلما وعدوانا بغير حق، ويتم تغييب الآيات القرآنية الواضحة في الوصية، والنصوص الحديثية والاجتهادات الفقهية المتقدمة في هذا الإطار، لصالح اجتهادات ذكورية من خارج المذهب المالكي، تمارس الحيف ضد النساء بدعوى أن ذلك هو الدين والدين من هذا براء.

الذرية الضعاف

تحدث القرآن أيضا في إطار العطاء المتعلق ب(الوصية-الهبة-الصدقة)  عن الذرية الضعاف، والذرية هنا هم الأبناء والأحفاد (ذكورا وإناثا) الذين يعيشون حالة ضعف، سواء بالإعاقة أو الفقر أو البطالة أو المرض أو الهرم، أو غيرها   من المعوقات التي تتسبب في ضعفهم المادي والمعنوي، وعدم قدرتهم  على الإنتاج، أن يخصص المالك لهم نصيبا خاصا في هذا العطاء يحقق لهم الأفضلية في التركة، وذلك في الآية التاسعة من سورة النساء والتي جاء فيها (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)) وهذا تشريع واضح أيضا في إمكانية تفضيل أحد الذرية      دون الآخر، بداعي الضعف، بل جعله القرآن من التقوى ومن القول السديد،   وهنا تأتي الأفضلية ليس للجنس (ذكرا كان أو أنثى) بل الأفضلية تعطى للحاجة والفاقة والضعف وانعدام القدرة على الإنتاج، وصاحب التركة له الحق في أن يجزل العطاء مما يملك لمن أحب من ورثته وأقاربه، بهذه القواعد والمحددات   التي يطرحها القرآن، وتكون أرضية أساس لإصلاح المدونة بهذا الخصوص. 

وصية التمتع بالتركة للزوجة

فصل القرآن في الوصية بشكل دقيق، فبعدما تحدث عن الوصية للوالدين والأبناء والذرية، انتقل بشكل تفصيلي الى الوصية في حق الزوجة فقال:( الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۚ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)).

(رغم أن كلمة زوجة لا توجد في اللغة العربية فالذكر زوج والأنثى زوج لكننا فضلنا كلمة زوجة حتى يصل المعنى بشكل أفضل) 

هذه الآية القطعية الدلالة، تبين بأن من حق الزوج أن يكتب لزوجته وصية، يحق لها بموجبها أن تتمتع بالتركة، كأن يوصي لها بعقار على شكل منزل مثلا،  ولا يحق لأحد أن يخرج هذه الزوجة من العقار الموصى لها به، بشرط الانتفاع به، إلا بإرادتها الحرة، وقد تكون هذه الوصية مؤقتة إلى أجل، أو قد تكون أبدية حسب إرادة الزوج الموصي.

ج – آيات الإرث لم تنسخ الوصية

ادعى كثير من الفقهاء، بأن آيات الوصية تم نسخها بآيات الإرث، بعدما اكتشفوا ضعف حديث (لا وصية لوارث)، وبالتالي فإن آيات الوصية تم نسخها بآيات أخرى تنظم الإرث، والحقيقة إن المتمعن في هذا الادعاء سيجده ادعاء باطلا،  لا أساس له من الصحة لأن كل آيات الإرث، تشير إلى أنه لا يمكنك تطبيق نظام الإرث إلا بعد تنفيذ آيات الوصية، فكل هذه الآيات تنتهي ب(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) بمعنى أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطبق نظام الإرث،  إلا بعد تقسيم التركة وفق (الوصية والدين)، إذا فضل من التركة شيء،  فالأولوية تعطى بالأساس للوصية والديون، وليس لنظام الإرث، فأين هنا النسخ، وكل الآيات التي ادعى السابقون نسخها للوصية تنطق من تلقاء نفسها قائلة بأنه لا يمكن تقسيم التركة بين الورثة، إلا بعد تقسيمها وفق إرادة المتوفى حسب وصيته، إذا ترك وصية أو هبة أو صدقة (العطاء)، فيكون القول بالنسخ هنا باطلا لا دليل يسنده، وآيات الإرث نفسها تبطله، وتؤكد على وجود الوصية.

والخلاصة أن قيمة الوصية في الميزان القرآني هي أهم بكثير من نظام الإرث، حيث جعل هذا النظام بديلا في حال انعدام الوصية، وكحل احتياطي، في حال بقي لدينا شيء من التركة، بعد التقسيم وبعد إعطاء أصحاب الدين حقوقهم، فالوصية هي الأصل الأصيل في توزيع التركة وليس نظام الارث. 

د – نظام الإرث من الحدود وليس من الأحكام

آيات الإرث تنتهي بشكل واضح بآية تبين بشكل جلي أن نظام الإرث في القرآن ليس أحكاما، بل هو من  الحدود، حيث جاء في هذه الآية بعد أن ذكر في آيتين سابقتين لها حالات الإرث، ووصية القرآن للناس (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

وحدود تعني أن هذا هو الحد الأقصى أو الأدنى، في نظام الإرث الذي لا يمكن تجاوزه في الأعلى أو النزول عنه في الأسفل،  لكن يمكن مخالفته بتشريعات أخرى تقع بين الحدين، لذلك تأتي الآية التي بعد هذه فتقول: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) وبهذا نقول بأن   هذا النظام هو نظام حدودي، وليس حكما قاطعا مفروضا، وكل ما كان حدودا، يحق لنا أن نخالف ما جاء فيه، بما لا يتجاوز الحد الأقصى أو الأدنى المذكور   في الآيات، و لتتضح الصورة بشكل أفضل، يمكن التمثيل بنسبة السكري في الدم فهي تكون طبيعية في إطار حدين (أقصى وأدنى) فكلما كانت نسبة السكر في الدم بين هذين الحدين تكون الأمور على الطبيعة، أما إذا تجاوزت الحد  أو نزلت   على الحد المسموح به، تكون الأمور غير طبيعية، وبهذا يتضح أن المجال بخصوص الإرث مفتوح فيه باب الاجتهاد على مصراعيه، وهذا الاجتهاد يتم   بما يتماشى مع المصلحة، ومع المقاصد السامية، التي تحقق العدل والمساواة    بين الجنسين، حسبما تحدده الظروف الاقتصادية والاجتماعية، مع مراعاة الحدود الذي لا يجب لأي تشريع قانوني أو فقهي أن يتعداها.

يوصيكم 

سنلاحظ في آية الوصية بأنها بدأت بفعل (كتب)، وهذا يوحي بأن لها نفس حكم الآيات التي تم تصديرها بفعل (كتب) كقوله تعالى:( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} البقرة).

وكقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ  مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة).

والفقهاء يؤكدون بأن كتب هنا تفيد الوجوب، مما يبين وجوب الوصية،  أما آيات الإرث فقد تم تصديرها بقوله تعالى (يوصيكم) قال تعالى:  (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) يوصيكم وليس (كتب) عليكم كما جاء في آية الوصية، مما ينفي عن نظام الإرث وآيات الإرث صفة الوجوب، فهي (وصية من الله )غير واجبة، بل مندوبة، ويفضل أخذها بعين الاعتبار، عند عدم وجود الوصية، أو إذا احتجنا اليها عندما يتبقى لدينا شيء من التركة وجب تقسيمه، بعد تنفيذ الوصية وإرجاع الدين،   لكن الفقهاء فعلوا العكس، حيث قاموا بإيجاب آيات الإرث بينما أهملوا الوصية، وقزموها، ووضعوا الروايات الضعيفة إما لإلغائها، أو تحجيمها،  حيث منعوا المالك من التوصية  إلا في حدود الثلث، ومنعوا الورثة من الوصية !

ورغم وجوب الوصية، إلا أنه من الممكن جدا أن يموت صاحب التركة،   ولأسباب متعددة قد لا يكتب وصيته، فوضع القرآن نظام الإرث، للاستدراك في حال عدم وجود الوصية، كما أسلفنا، وليس لإلغاء حكم الوصية الثابت   بالنص القطعي الدلالة في القرآن، والذي يفيد الوجوب، لذلك يجب التمييز بين يوصيكم الله، والتي تأتي من باب (التوصية) في الإرث وليس الوجوب،  الواردة في آيات الإرث، وبين كلمة (كتب) التي تفيد الوجوب بالإجماع.

وفي هذا يقول الدكتور شحرور في كتابه نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي مدققا في دلالات الآية القرآنية ( يوصيكم الله في أولادكم….) من خلال سياقها اللغوي: ( ونعود إلى آيات الإرث الثلاث في التنزيل الحكيم وإلى قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم..} ونقف عند حرف الجر (في) الوارد في الآية،  الذي يحدد محل الوصية في القصد الإلهي. ففعل وصى في اللسان العربي يقتضي مفعولاً به هو محل الوصية، وغالباً ما يأتي المفعول به على شكل   اسم مجرور بالباء، كما في قوله تعالى:

  • وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} العصر3.
  • وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} لقمان14. 
  • وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} مريم 31.

هنا نعرب الاسم أنه مجرور لفظاً منصوب محلاً مفعولاً به. وهذا بالذات ما أقنع إماماً مثل ابن عباس أن يقرأ قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} الإسراء23 على الشكل التالي: ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً.. وكان يقول: لو قضى ربك ألا يُعبد إلا إياه، لما عبد إلا إياه!!.

ولما كان للوصية محل وموضوع، فإن من اللازم تحديدهما في الوصية،   وبيان محلها والمخاطب الذي عليه تنفيذها، وتوضيح موضوعها وحقلها  الذي يقصده الموصي. فمحل الوصية في قوله تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه}   هو الإنسان، أما موضوعها فهو الوالدان. ومحل الوصية في قوله  {وأوصاني بالصلاة} هو المسيح بن مريم (ع) أما موضوعها فهو الصلاة.   ولعلنا لا نجد في التنزيل الحكيم وصية إلا ونجد معها محلها وموضوعها.   فما هو المحل وما هو الموضوع في قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} ؟

الناس والولد : يضيف الدكتور شحرور في نفس المصدر متحدثا عن محل الوصية بقوله  (أما محل الوصية هنا فهو الناس، الذين بدأ سبحانه بتوجيه الخطاب إليهم في مطلع الآية الأولى من النساء بقوله {يا أيها الناس اتقوا ربكم} إلى قوله في مطلع الآية 11 {يوصيكم الله في أولادكم} وأما موضوع الوصية فهو إرث الأولاد   وحظ كل منهم من التركة.

يشرح محمد شحرور مفصلا في دلالات كلمة أولاد بقوله:( ونلاحظ أنه سبحانه قال {في أولادكم} ولم يقل (في أبنائكم)، رغم أن ذكر الأبناء ورد في نفس الآية بقوله تعالى: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً} النساء11.                            

الأولاد جمع مفرده ولد، ويقال للذكر والأنثى، إذ ليس في اللسان العربي مؤنث للولد.

والولد إضافة إلى أنه يعني المذكر والمؤنث، فهو يعني كل إنسان على ظهر الأرض لأنه بالأصل مولود. ومن هنا جاء تكريم الله سبحانه للجنس البشري بأكمله، حين أقسم به في التنـزيل الحكيم بقوله: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} البلد 3.  ومن هنا أيضاً قوله تعالى عن ذاته المقدسة: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} الإخلاص 3.  ولهذا نجد قواعد الإرث التي جاءت كموضوع للوصية بعد قوله “أولادكم” تشمل كل حالات الإرث لأهل الأرض قاطبة، ولكل من يلد ويولد من الأبوين والأحفاد والأزواج والإخوة).انتهى من قول الدكتور شحرور.

إن هذه المقدمة الهامة بخصوص معنى كلمة (الولد) في القرآن والسياقات  التي جاءت بها تحيلنا على معضلة حقيقية في فهم الفقهاء، الذين فسروا كلمة ولد بكلمة ذكر، وهو الشيء الذي أوقعهم في خلط عجيب، تسبب في ظلم للمرأة استمر لأزيد من أربعة عشر قرنا بدعوى التعصيب.

ه – التعصيب

التعصيب في اللغة، هو قرابة الرجل لأبيه، ويُقصد به أهل الرجل من الذكور، سواء كانوا من الأبناء أو الآباء.

أما في الاصطلاح الفقهي قُصد به، أنه وبعد أن يأخذ أقارب المتوفي حقهم الشرعي المنصوص عليه، فإن باقي الميراث يؤول إلى العصبة من الذكور  دون الإناث، وذلك استناداً إلى الحديث المنسوب إلى الرسول في صحيح البخاري، والذي جاء فيه: “أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَر”.

والحقيقة التي يمكن أن يصل إليها كل قارئ للقرآن و دارس له، أن هذا المعنى (التعصيب) غير موجود فيه البتة، بل نجد آيات كثيرة تعاكس هذا المفهوم بشكل جلي وواضح، حيث نجدها ترد في سياق التأكيد على أولوية الأقربين بوراثة بعضهم البعض، دون التطرق لتحديد الجنس، ومن ذلك الآية الخامسة والسبعين من سورة الأنفال: “وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” ، والآية السادسة من سورة الأحزاب: “النَّبِيُّ أولى بِالْمُؤْمِنِينَ  مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ  مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إلى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً”، فيما أكدت آيات أخرى– صراحةً- على تساوي الرجل والمرأة  في إرث المتوفى، ومنها الآية السابعة من سورة النساء” :لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ  أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيباً مَّفْرُوضاً”.

وتأكيدا لهذا يقول الكاتب محمد يسري في مقال له نشر على موقع رصيف22 بعنوان: المساواة في الميراث… نعيد النظر في أجوبة معاصرة لإشكاليات التراث (ويُعدّ كتاب “ميراث النساء ووهم قطعيّة الدلالة (تلك قسمة ضيزى)”، من تصدير الدكتورة نائلة السلّيني، وبمشاركة جماعية من جانب مجموعة من الباحثين التونسيين، من أهم الكتب الحديثة التي عملت على حلحلة الإشكالية الخاصة بالتعصيب، ومناقشة السياقات الاجتماعية والتاريخية التي ظهر وتأصل فيها. 

ويذهب الباحث فريد بلقاسم في الكتاب، إلى أن المستند الأول الذي  بنى عليه الفقهاء نظرية التعصيب، هو بالحقيقة مستند مزيف، لأن عبد الله بن العباس-وهو راوي حديث التعصيب- قد أنكر أنه رواه، وهو الأمر الذي من شأنه التشكيك في الفكرة برمتها).

وينص ذات المصدر على أحد أهم صور الظلم، التي تلحق البنت من جراء التعصيب بقوله:( التعصيب، في كثير من الأحيان، قد ينطوي على ظلم اجتماعي بائن ولا سبيل لإنكاره أو التنصل منه، ومن أوضح صور هذا الظلم، أنه في حالة وفاة الوالد تاركاً من ورائه ابنة واحدة أو مجموعة من البنات، فإن أي قريب    من جهة الأب دون الأم ولو كان بعيداً، كعم أو ابن عم أو ابن ابن عم، فإن من حقه أن يقاسم البنت أو البنات في تركة والدها).

بالإضافة إلى كل هذا فنشوء التعصيب كان في الحقيقة أول الأمر سياسيا،  نتيجة الصراع بين بني العباس والعلويين أبناء علي وفاطمة الزهراء، حول من له الأحقية في الخلافة، حيث ادعى العباسيون بأن البنت (فاطمة الزهراء) لا تحجب الأعمام في الإرث، وبالتالي الأولى بخلافة الرسول هم أبناء العباس لا أبناء فاطمة الزهراء، بدعوى أن الرسول لم يترك ذكورا،  وبالتالي فالتعصيب هنا لأبناء العباس عم الرسول، وهذه هي الحقيقة التاريخية والسياسية التي يغفل عنها الكثيرون، والتي كرست قاعدة التعصيب التي لا يوجد لها أصل في القرآن، ودفعت النساء ثمنها لمدة أربعة عشر قرنا مضت ولا تزال، حيث كان السبب الرئيس في ذلك كله ،الأطماع السياسية.

و – المساواة في الإرث بين الذكور والإناث

جاء في آية الإرث الأولى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ…)  هذه هي الآية التي يشهرها في وجهك كل من يدعو إلى إبقاء الوضع على  ما هو عليه، معتبرا بأن هذه الآية واضحة وهي قطعية الدلالة في أن يأخذ الذكر ضعف ما تأخذه الأنثى، معتبرا بأن هذه قاعدة، والحال أن كل آيات الإرث  هي حدودية، وليست أحكاما ولا قواعد، وبالتالي هي تعطي لنا حالات وأمثلة وتبين الحد الأقصى في كل حالة، وهذا ما ذهب إليه الراحل الدكتور محمد شحرور الذي استطاع تقديم رؤية جديدة، مبنية على التحليل اللغوي والدلالات اللغوية للآية، دون الرجوع للفهم التراثي المبني على روايات متأثرة بالأهواء السياسية والذكورية لفترة معينة حيث ذكر في كتابه “نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي”، أن المعنى المنضبط لها هو أن نصيب الذكر يتساوى مع نصيب الأنثى، وأن الفقهاء الذين أجمعوا على أن الذكر يرث ضعف الأنثى، قد أخطأوا، لأن ذلك المعنى لا يستقيم إلا لو كان نص الآية هو “للذكر مِثْلا حظ الأنثى”،  وهو ما لم يرد إطلاقاً في النص القرآني. 

شحرور ذهب إلى أن الآية الواردة، تتحدث عن حالة بعينها، وهي تلك التي يكون فيها الإناث ضعف عدد الذكور، فعندها يرث الذكر ضعف نصيب الأنثى، أما فيما يخص الحالات الأخرى فالأمر يختلف، فلو كان عدد الإناث مساوي لعدد الذكور، فإن الجميع يرث القدر ذاته، أما في الحالات التي يزيد فيها عدد الإناث عن ضعف عدد الذكور، فإن شحرور يستند إلى باقي الآية  “فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك…”، وعلى هذا إن فرضنا وفاة رجل وتركه لأربعة أولاد (ذكر واحد وثلاثة إناث)، لكانت حصة الذكر في تلك الحالة 33.33% من التركة وحصة الإناث الثلاثة 66.66%، وهو ما يعني أن كل أنثى ترث 22.22% من التركة. 

يقول شحرور:( ونبدأ من حيث بدأ سبحانه بقوله: {للذكر مثل حظ الأنثيين}  النساء 11. وهذا هو القانون الأول في الإرث. وفيه الإشارة الواضحة لما أسلفناه، من أن الأنثى هي الأساس في احتساب الحصص، وكأني بالله سبحانه يقول: انظروا إلى حظ الأنثيين بعد أن تحددوه، ثم أعطوا الذكر مثله. إذ لا يمكن في المنطق النظري ولا في التطبيق العملي أن يعرف مثل الشيء ويتحدد إن لم يعرف الشيء ويتحدد أولاً.

ننتقل الآن إلى تتمة نص الوصية في قوله تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف..} النساء 11. هذا هو نص الوصية المتضمن لقانون الإرث بأكمله، فكل ما تلا ذلك من حالات بعد هذا القول، هو نماذج خاصة من هذه الحالات الثلاث، التي تمثل حدود الله، بدليل أنه سبحانه بعد أن بيّن وصيته بقانون الإرث في الآيتين 11،12 من سورة النساء، افتتح الآية 13بقوله: {تلك حدود الله} وهذه الحالات تشمل الأصول والفروع والزوج والإخوة أي محل الوصية وبما أن الأعمام والأخوال وأبناء العم.. الخ غير مذكورين  في آيات الإرث فهذا يعني أنه لا حظ لهم إطلاقاً في الإرث).

ز- إلغاء التعصيب بالردّ

كما ورد سابقا، فالردّ اصطلاحا هو توزيع الباقي من التركة على أصحاب الفروض بعد أن يأخذوا أنصبتهم. ويكون في حالة نقصان في السهام وزيادة  في الأنصباء ،مثل: بنت وأم؛ أصل المسألة ستة، للبنت النصف، أي 3.  وللأم السدس أي 1 ،والباقي هو سهمان (2) يرد عليهما لكلّ واحدة بقدر نسبة فرضها، بحيث يرجع أصل المسألة في هذه الحالة إلى 4 فيكون نصيب الأم بالفرض والردّ معا هو الرّبع أي 1 من 4 ونصيب البنت بالفرض والردّ معا هو ثلاثة أرباع 3 من 4.

بما أن أحكام الإرث التي استوجبتها ظروف اجتماعية وتاريخية لم تعد قائمة، فإن مقصد العدل قد اختل وحل محله الظلم؛ لذا وجبت مراجعة منظومة الإرث  بما يحقق مقاصد الشريعة وما سنّه الرسول صلى الله عليه وسلم من أحكام فيما يتعلق بنصيب البنت وحدها أو البنات مجتمعات من تركة الوالد المتوفى. وبهذا جعل الرسول التركة من نصيب البنت/البنات دون العَصَبة كما هو بيّن في الأحاديث النبوية التالية:

ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم “من ترك مالا فلورثته ومن ترك كَلاّ فإليّ” وفي لفظ “من ترك دَيْنا فإليّ ومن ترك مالاً فللوارث”، إذن المال للورثة من ذوي الأرحام.

ــ قصة سعد ابن أبي وقاص حيث رُوِي أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه   لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده قال: “إني قد بلغ مني الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلاّ ابنة لي، أ فأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: لا، فقلت: بالشطر (أي النصف) قال:” لا” قلت: “بالثلث،” قال: “الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس.” يدل هذا الحديث على أن الابنة تحوز ما زاد على النصف، وذلك لا يكون إلاَّ على جهة الرد.

ـ حديث عمرو ابن شعيب عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ورّث بِنت المُلاَعِنة من أُمّها أي ورّثها جميع المال ولا يكون ذلك إلا بطريق الرَّدّ.

ـ حديث وَاثِلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “تحوز المرأة ميراث لقيطها و عتيقها والابن الذي لُوعِنت به”. وجه الدلالة هنا هو:  أن النبي جعل ميراث ولد الملاعنة لأمه، وهذا يقتضي أن يكون جميع ميراثه لها، ولا يكون لها الجميع إلا بالردّ.

ـ ما روي أن امرأة قالت: يا رسول الله إني تصدقت على أمي بجارية فماتت أمي وبقيت الجارية فقال (صلى الله عليه وسلم): (وجب أجرك وعادت إليك الجارية). فرجوع الجارية كلها إليها دليل على جواز الرد وإلا فليس لها إلا النصف فرضاً.

إن المراد من هذه الأحاديث النبوية الشريفة هو بيان تشريع الرسول (ص) لقاعدة “الردّ على ذوي الفروض مقدم على إرث ذوي الأرحام”. أي في حالة وجود بنت أو أكثر دون الإخوة الذكور، فإن التركة كلها تؤول إلى البنت/البنات وفق “قاعدة الرَدّ” التي شرعها الرسول (ص)، والتي تُحْرِم العصبة من الميراث.  وقد ذهب عدد من الصحابة والأئمة إلى القول “بالرّدّ”، ومن هؤلاء عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب وعثمان بن عفان وابن عبّاس وابن مسعود وجابر بن عبدالله [= جابر بن يزيد] وشريح وعطاء ومجاهد وتَبِعهم في ذلك الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد في أشهر الروايتين عنه.  وقال ابن سراقة: «وعليه العمل اليوم في الأمصار». ويرى الحنابلة أنه   يُردّ على كل أصحاب الفرائض على قدر ميراثهم إلاّ الزوج والزوجة.   إذن، فالقائلون بالردّ هم جمهور الصحابة والتابعين وهو مذهب الحنفية والحنابلة والشيعة والامامية والزيدية ومتأخرو المالكية والشافعية. 

وبناء عليه، فإن أصحاب الرد من الورثة – عند جمهور الفقهاء – ثمانية أشخاص فقط هم (البنت ، وبنت الابن ، والأخت الشقيقة ، والأخت لأب ، والأخت لأم، والأم ، والجدة ، والأخ لأم) . ‏هذا وقد جاء قانون الأحوال الشخصية الأردني بالتعديل الثاني الصادر في 20/ 2/ 1978 ، ‏أن البنت أو البنات تستحق في حالة عدم وجود الابن للمتوفى ما تبقى من التركة بعد أخذ الأبوين والزوج الآخر فروضهم منها وتستحق جميع التركة في حالة وجود أي منهم.

كما أقر قانون الأحوال الشخصية التونسي لسنة 1959 ، في الفصل 143 مكرر، الإرث بالرد كالتالي: “عند فقْد العصبة ولم تستغرق الفروض التركة يرد الباقي منها على أصحاب الفروض بنسبة فروضهم. أما البنت تعددت أو انفردت   أو بنت الابن وإن نزلت فإنه يرد عليهما الباقي ولو مع وجود العصبة بالنفس  من الأخوة والعمومة وصندوق الدولة.”

وينص قانون الأحوال الشخصية السوري لسنة 2020 في المادة 297 على التالي: ” إذا وجد منهم واحد فقط استقل بالميراث ذكرا كان أو أنثى”.

لا جدال في كون منظومة الإرث المعمول بها حاليا، ليس فقط لم تعد تحقق مقصد العدل، بل صارت تكرس أفظع المظالم في حق الإناث وذلك بحرمانهن  من حقوقهن ومما ساهمن في مراكمته من ممتلكات الأسرة، مهما كان متواضعا. فالإحصائيات الرسمية تبين أن نسبة مهمة من الإناث، كن زوجات أو بنات، يشتغلن خارج المنازل ويتحملن الإنفاق على باقي أفراد الأسرة، بمن فيهم الإخوة الذكور. إذ لم يعد الذكور يتحملون الإنفاق على البنات كما كان سائدا  في المجتمعات التقليدية أو المجتمع العربي زمن نزول الوحي،   وهو السياق الاجتماعي الذي اختص الإناث بنصف نصيب الذكور من التركة؛  بل صارت الإناث يسهمن في بناء منزل الأسرة ودفع أقساط قروضه البنكية وتمويل دراسة الذكور من الإخوة. الأمر الذي يجعل من تطبيق قاعدة   “للذكر مثل حظ الأنثيين” لا يحقق مقصد العدل الذي تروم تحقيقه الشريعة الإسلامية. ونفس الظلم، بل أشد منه، نلمسه حين حصول البنت على نصف  أو البنات على ثلثي المنزل الذي أسهمن في تمويل بنائه أو شرائه،   ليؤول الباقي إلى العصبة الذين تكاد صلة الرحم بينهم وبين بنات الهالك مقطوعة. ولعل المآسي التي يتسبب فيها تطبيق قاعدة التعصيب، جعل كثيرا من الأسر تلجأ إلى إجراءات البيع الصوري، أو الهبة أو الوصية، حماية لحقوق الإناث. فاللجوء إلى مثل هذه الإجراءات يؤكد رفض المجتمع للظلم الناتج عن منظومة الإرث الموروثة عن سياقات اجتماعية وتاريخية لم تعد قائمة.  الأمر الذي يستوجب مراجعة منظومة الإرث بما يضمن لذوات الحقوق حقوقهن ويرفع عنهن الظلم والإجحاف، ويضع حدا لأكل أموالهن بالباطل. ووجه الاستدلال على ضرورة حذف صور من التعصيب كما هو معمول به حاليا أنه لا أساس له في القرآن. ونظرا لكون حالات التعصيب لم يرد تشريعها  في القرآن الكريم، فإن المذاهب الفقهية اختلفت في تحديد جهات العصبة، فيما مذاهب فقهية أخرى تنكر الإرث بالتعصيب عملا بقاعدة “منع الأقْرَب للأبْعَد”، فتصير البنت تحجب العم أو ابن الأخ لأنها الأقرب إلى المتوفى. 

إذن، المعمول به فيما يتعلق بالتعصيب، هو تشريع بشري وليس إلهيا.  من هنا، وتحقيقا لمبدأ العدل، يستدل المذهب الحنفي بقوله تعالى  (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) في اعتماد قاعدة “الرّدّ”،  أي تقديم ذوي الفروض على غيرهم من ذوي الأرحام. وبذلك تقسّم التركة على البنات وحدهن في حالة عدم وجود الأبناء الذكور.  وبهذا يُقصى باقي العصبة من اقتسام التركة مع البنت أو البنات حماية لحقوقهن ورفعا للظلم عليهن تطبيقا لوصية الرسول الكريم، كما وردت في قصة  سعد بن أبي وقاص المشار إليها سابقا. 

أما بخصوص الحديث النبوي الذي يحاجج به مناهضو حق البنات في كل تركة الوالدين (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)،  فقد ضعّفه كثير من الأئمة والفقهاء لكون راويه عبد اللّه بن طاوس مجروحا.   فقد روي عن ابن عباس وطاووس والد عبد اللّٰه تكذيبه، وتبرؤهما من هذا الخبر، روى ذلك أبو طالب الأنباري قال: حدثنا محمد بن أحمد البربري، قال:   حدثنا بشر بن هارون، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثني سفيان، عن أبي إسحاق، عن قارية بن مضرب قال: جلست عند ابن عباس وهو بمكة فقلت: يا ابن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك وطاووس مولاك يرويه: أن ما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر؟ قال: أمن أهل العراق أنت؟ قلت: نعم قال: أبلغ من وراءك أني أقول: إن قول اللّٰه عز وجل (آبٰاؤُكُمْ وَ أَبْنٰاؤُكُمْ لٰا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ) و قوله (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ)   وهل هذه إلا فريضتان وهل أبقتا شيئاً؟ ما قلت هذا، ولا طاوس”‌.  وفي المقابل أفتى ابن عباس بالتركة كلها للبنت في عدم وجود الابن الذكر.  وفي نفس السياق روى البخاري في باب ميراث البنات قال : (حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: مرضت بمكة مرضاً فأشفيت منه على الموت فأتاني النبي (صلى الله عليه وسلم) يعودني فقلت: يا رسول اللّٰه إن لي مالًا كثيراً، و ليس يرثني إلا ابنتي أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال:لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: الثلث؟ قال:الثلث كبير،  إنك إن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس).  وهذا الحديث ينص على بطلان القول بالتعصيب، لأنه قال:   (وليس يرثني إلا ابنتي) ولم ينكر عليه رسول اللّٰه (صلى الله عليه وسلم)‌.   ومما يعضّد بطلان التعصيب ما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى عن سويد   بن غفلة في ابنة وامرأة ومولى قال: كان علي(عليه السلام) يعطي الابنة النصف، و المرأة الثمن و يرُد ما بقي على الابنة”.

ح – اعتماد المساواة في الإرث إنصاف للمرأة

معلوم أن الإرث بأحكامه ليس من الشعائر التعبدية التي إذا أخلّ بها المؤمن فسدت عبادته ولا ركنا من أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والصوم والحج،   وإنما يدخل ضمن المعاملات التي تراعى فيها مقاصد الشريعة، وفي مقدمتها: العدل الذي هو من الأحكام الاجتماعية الخاضعة لمنظومة القيم التي تعكس درجة تطور المجتمع. فما كان عدلا في سياق تاريخي واجتماعي يفقد هذه الصفة والقيمة في سياق مختلف. وخلال فترة النبوة، عرفت أحكام الإرث تطورا حسب حركية المجتمع ومتغيراته الداخلية؛ إذ تدرجت أحكام الإرث تبعا لتغير ظروف المسلمين من الفترة المكية إلى الفترة المدنية ، بحيث كان المسلمون يتوارثون بالهجرة والإخاء؛ لما روي عن ابن عباس أنه قال: آخى النبي بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك، حتى نـزلت هذه الآية: ﴿وأُولُوا الأَرحامِ بعضهم أَولَى﴾، فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب؛ كما خضع الإرث لأساس الحلف والنصرة وفق الآية الكريمة “ولكلٍّ جَعَلْنَا مَوالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ” (النساء). فالقرآن الكريم لم يحدد أنصبة الورثة عند بداية تشريع الإرث، بل ترك المجال للذكر ليوزع ماله قبل مماته كما يشاء ”كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتقِينَ” (البقرة). إلا أن هيمنة الأعراف القبلية وقيم الذكورة جعلت الرجال يخصّون الذكور دون الإناث. فجاء القرآن الكريم بما يضمن نصيب الإناث “لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْه أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا” (النساء). 

واضح، إذن، أن منظومة الإرث المعمول بها اليوم باتت متجاوزة اجتماعيا اعتبارا للدور المحوري الذي صارت تلعبه المرأة داخل الأسرة، فضلا عن تطور القيم الاجتماعية بما فيها قيمة العدل. الأمر الذي فرض على كثير من الأسر أن توزع أموالها/ممتلكاتها على أبنائها وبناتها بما تراه عدلا، وهو المساواة.  كما تلجأ الأسر التي لم تنجب غير الإناث إلى صيغة البيع حتى لا تترك فرصة للعصبة ليستحوذوا على جزء من التركة لم يساهموا في مراكمته،  أو ربما أن صلة الرحم مقطوعة بينهم. 

إن غاية الشريعة هي العدل، ومتى اختل ميزانه وجب تعديله ومراجعته تحقيقا لمقصد الشريعة. ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بمراعاة السياق الاجتماعي وقيم العصر والزمن الذي يوجد فيه المجتمع. لقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أثار هذه النقطة في حوار صحفي قال فيه: “ففي كل القوانين الجنائية،  فلسلفة القانون الجنائي هي النموذجية.. إذا قمنا بذلك (أي قطع يد السارق)   فإن الأعباء الاجتماعية ستثقل كاهل الدولة بإنشائها لمحتاج غير قادر على العمل، وسيكون ذا طبع كاريكاتوري القول لأحدهم اذهب خذ معاشا لأننا قطعنا له يدا. يجب أن نكون قابلين للتطور. العقيدة لا يجب أن تمس، لكن يجب التأقلم مع الزمن”. والمراد من هذا الاستشهاد هو اجتناب الوضع الكاريكاتوري الذي تخلقه التشريعات المعمول بها، والتي تتسبب في تشريد الإناث لعدم وجود ذَكَر يحجب العصبة، فتتعالى مطالب الجمعيات المدنية بضرورة توفير المساعدة الاجتماعية للضحايا. لتجاوز هذه الوضعية المأساوية نقترح التعديلات التالي:

ـ إذا انفردت البنت أو تعددت ترث جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض إن وُجدوا. ولا يرث معها الأعمام وأبناؤهم أو الأخوال وأبناؤهم مهما كانوا. 

ـ البنت ترث بالتساوي مع الابن  جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض  عند وجودهم.

حان الوقت إذن، لتحرير مدونة الأسرة من دغمائية القرون الوسطى التي صار فيها الفقه البشري، الذي أنتجته ظروف اجتماعية وسياق تاريخي لم يعودا قائمين، شريعة ملزمة للمسلمين؛ فتناسلت أحكام التحريم وعمّت لتشمل الفنون والموسيقى والابتكارات التقنية وبعض المزروعات، ثم امتدت لتشمل خروج النساء  إلى الفضاء العام وحقهن في التعليم والعمل والتصويت والترشيح والانتداب.  إن الفقهاء يعلمون أن الفتوى تتغير بتغير الأحوال وأن الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما، لكنهم لا يعملون بهذه القواعد ولا يحترمونها في فتاواهم. ذلك أن غالبيتهم يتخذون من فتاوى أسلافهم مرجعا وحيدا لهم يستنبطون منه فتاواهم وكأن الواقع الاجتماعي ظل ثابتا ولم يتغير عبر القرون.  فكل الأحكام الفقهية التي أطرت سلوك المجتمع في القرون الأولى للإسلام بقيت هي نفسها التي يفرضها الفقهاء على المجتمع في القرن الواحد والعشرين، خصوصا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية والمواريث. لهذا لم تعد الفتاوى تحقق المناط بعد أن صارت غير مطابقة للواقع. ولا جدال في أن الواقع المجتمعي الحالي يختلف جذريا عن ذاك الذي عاش فيه الأئمة وفقهاء السلف من حيث الثقافة والقيم والحقوق والأدوار الاجتماعية للأفراد ذكورا وإناثا. إذ بحكم التعليم والإعلام ومشاركة النساء في الحياة السياسية والاقتصادية، صارت الفتاوى التي تشترط وجود الولي لصحة عقد الزواج، أو وجود محْرم أثناء سفر الأنثى، مثار سخرية.

2 – مقتضيات الدستور و المواثيق الدولية لحقوق الإنسان

أ ـ الدستور

نص دستور 2011 في ديباجته، على التزام “المملكة المغربية بـحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطوير هما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء؛ حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان؛ جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة”. كما يؤكد الدستور على إختيارات الدولة المغربية التي من بينها “…إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم…”. 

كما ينص  البند 6 على أن ” القانون ھو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيھم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له . تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينھم…” 

و يعتبر البند 19 بند إقرار المناصفة بين الجنسين، حيث جاء فيه  “تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء”  و “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في ھذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية،  كما صادق عليھا المغرب….”

ب ـ المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب

لقد تدرجت المعايير الدولية في معالجة إشكالية التمييز بين الجنسين،  من إعلان المساواة إلى حظر التمييز. ويتجلى هذا من تحليل نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الاقتصادي والاجتماعي ، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. 

 يؤكد ميثاق الأمم المتحدة من جهته بما للنساء و الرجال من حقوق متساوية  في جميع المجالات، كما ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على مبدأ عدم جواز التمييز، ويعلن أن جميع الناس يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة  في  الإعلان، دون أي تمييز، بما في ذلك التمييز القائم على الجنس،   كما أن  العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان توجب على الدول الأطراف  ضمان حق الرجال والنساء في التمتع على قدم المساواة بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، إذ تشير إلى أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأ المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان وعقبة أمام التمكين الاقتصادي للمرأة و مشاركتها، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو و رخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة   في خدمة بلدها والبشرية.

في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أقر المجتمع الدولي في عام 1948 بالحق في المساواة بين الجنسين و الحق في ولوج الملكية وكذلك التمتع بالحقوق الاقتصادية. تنص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن جميع البشر يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق. تنص المادة 2 على حق كل فرد في التمتع بجميع الحقوق والحريات المعلنة  في الإعلان، دون تمييز بسبب الجنس أو بأي سبب آخر. كما تتناول المادة 17  الحق في الملكية،  التي تنص على أن لكل فرد، بمفرده أو جماعيًا،  الحق في الملكية. تمنح المادة 22 كل فرد ، كعضو في المجتمع ، الحق في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لتعزيز كرامته والتنمية الحرة لشخصيته.

كما تلزم المادة 3 للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية -الذي صادق عليه المغرب- الدول، بضمان المساواة بين الرجل والمرأة في حق الاستفادة من جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.  وهو يشكل آلية قانونية تتمتع بوسائل مسؤولة عن مراقبة تطبيق الأحكام والإجراءات الواردة فيه من أجل التنفيذ الفعال لها. 

صادق المغرب في عام 1993 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتدعو هذه الإتفاقية  في مقدمتها إلى كفالة الحقوق المتساوية للمرأة، بصرف النظر عن حالتها الزوجية، في جميع الميادين – من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ومدنية – و رفع العزلة والقيود المفروضة على المرأة على أساس الجنس. كما تدعو إلى سن تشريعات وطنية تحرم التمييز، وتوصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بتحقيق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة، و باتخاذ خطوات تستهدف تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تؤدي إلى إدامة هذا التمييز.

كما تشجب الدول الأطراف- في المادة 2- جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقا لذلك، تتعهد بالقيام بما يلي: (أ) تجسيد مبدأ المساواة  بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى،  إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ   من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى؛ (ب) اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها، بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة؛ (ج) إقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة في المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى، من أي عمل تمييزي؛ (د) الامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام؛ (هـ) اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء  على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة؛  (و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكِّل تمييزا ضد المرأة؛ (ز) إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكِّل تمييزا ضد المرأة. 

لا خيار، إذن، أمام المغرب سوى العمل على ملاءمة تشريعاته مع المواثيق الدولية التي جعلها الدستور تسمو على التشريعات الوطنية.

3 ـ الاعتبار الاجتماعي والاقتصادي

عرف المجتمع المغربي تطورا ملحوظا، من أهم سماته  خروج المرأة للعمل والإسهام  في اقتصاد الأسرة، بحيث نجد أن من بين 8,6 ملايين أسرة، 1,5 مليون ترأسها نساء، وهو ما يمثل 16.9 بالمائة.  تبقى هذه النسبة  مرتفعة بالوسط الحضري (19,3%) مقارنة بالوسط القروي (11,4%)، وذلك حسب تقرير سنة 2022 للمندوبية السامية للتخطيط . تنضاف إليها مشاركة الزوجات الموظفات والبنات في اقتصاد الأسرة (عاملات مصانع أجزاء السيارات، حقول الفراولة والضيعات الفلاحية، معامل النسيج والصناعات الغذائية وعاملات المنازل وغيرهن). فلم تعد الإناث تعيش على نفقة آبائهن أو إخوانهن في كنف الأسرة الممتدة، كما كان الحال في المجتمعات التقليدية؛ بل صارت المرأة تتحمل نفقة نفسها وأسرتها بمن فيهم الذكور.

إن استمرار التمييز بين دور المرأة والرجل في المجتمع ومقاومة التغيير يضر بالمرأة اقتصاديًا ويحد من وصولها إلى الموارد ، والعمل المأجور،  وريادة الأعمال ، والأنشطة الاجتماعية المدرة للدخل. كما يسبب هذا التمييز تفقيرا للإناث و يفاقم الحيف الذي تعانين منه في جل المجالات.

في تقريرها بمناسبة 8 مارس 2022، تشير المندوبية السامية للتخطيط بأن أغلب النساء يقمن بأعمال غير مؤدى عنها، حيث أن 80% منهن مقصيات من سوق العمل المأجور ولا تحصل اللواتي حظين بأجرة إلا على راتب يقل في المتوسط بمقدار الثلث عن الراتب الذي يحصل عليه الرجال، مما يحد من تمكينهن الاقتصادي والاستقلال المادي ويضعف قدرتهن على الادخار. 

 4 – التمييز في الإرث تفقير للإناث

تعاني الإناث من التمييز المجحف في قوانين الميراث، لأن مقتضياته لا تعطي للإناث في أغلب الحالات إلا نصف ما يرثه الذكور الذين يتمتعون كذلك بالحصص المحصلة عبر التعصيب. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض العادات المحلية في بعض القبائل و العائلات تحرم الإناث أحيانًا من نصيبهن من الميراث، أو تخصص لهن مساحات الأرض الأقل خصوبة والأجزاء الأقل مردودية من الممتلكات العقارية. لا تزال العديد من النساء تعانين من هذا التمييز حتى اليوم،  بسبب نقص المعلومات ، أو بسبب نقص الدعم أو الخوف من قطع العلاقات مع الأشقاء. ينتج عن هذا التمييز في الإرث مآسي خطيرة من تشريد عائلات بأجمعها دون اعتبار المخاطر التي تعترض الإناث في وضعية هشة  من عنف بشتى أنواعه واستغلال بشع على جميع المستويات وعلى رأسها الاستغلال الجنسي والاقتصادي . 

يعيق هذا التوزيع غير المتكافئ للتركة من أموال وأملاك عقارية في المغرب حصول الإناث على الملكية. إن نسبة النساء المغربيات اللواتي يمتلكن عقارا  لا تتجاوز 7٪ في المناطق الحضرية و 1٪ في البادية، في الوقت الذي تشكل فيه اليد العاملة النسوية الأغلبية في القطاع الفلاحي. إن هذا الواقع يحد من قدرة النساء على الإنتاج والاستثمار والاستفادة من القروض البنكية التي تتطلب التوفر والإدلاء بضمانات عقارية. هكذا تقصى الإناث من ريادة الأعمال،  سواء في القطاع الخاص المهيكل أو في قطاع الاقتصاد الاجتماعي،   حيث تكلفة القروض الصغرى مضاعفة بسبب الإعفاء من الضمانات.   

إن هذه الوضعية تعمق تهميش و تفقير النساء وتعرقل تمكينهن الاقتصادي وتضعف طاقتهن في الادخار و الاستثمار و ريادة الأعمال و ولوج للموارد المدرة للدخل و تراكم الثروة. فنسبة المقاولات التي تسيرها نساء لا تتجاوز  حاليا  %16,2، إذ لا يمكن  لشخصين لا يملكان في الأصل نفس الموارد أن يلجا لنفس الفرص على قدم المساواة. إن الوريث الذكر يتولى إدارة شركة التركة   في أغلب الأحيان، لأنه يرث الحصة الأكبر، بينما غالبا ما تبيع الإناث حصصهن من أسهمهن  للورثة من الذكور بثمن هزيل بسبب ضآلة حصتهن أو لعوزهن.

هكذا  تتضاءل فرص الإناث مقارنة بالذكور في إنشاء أو إدارة مشروع تجاري عن طريق الميراث. إن عدم المساواة بين الرجل والمرأة في  الميراث والملكية والأراضي والمياه والموارد الأخرى كلها حواجز تعيق وصول المرأة إلى الملكية الخاصة و إلى القروض البنكية (بسبب الافتقار إلى الضمانات)،  مع العلم أن هذه الموارد أساسية لاكتساب مهارات جديدة أو لإنشاء مقاولة  أو لريادة الأعمال، لأن امتلاك الأرض أو المباني أو رأس المال وحده يمكن أن يشكل نقطة انطلاق للمشاريع المدرة للربح و للثروة.

استنادا إلى ما سبق، أصبح اليوم من الضروري اعتماد قراءة حداثية للنص الديني وإبراز مقاصده في العدل بين الجنسين و إقرار مجموعة من القوانين والإجراءات الإيجابية واسعة النطاق وترسيخها التشريعي لتحقيق المساواة والتكافؤ بشكل فعال في المجال الاقتصادي؛ للتعويض عن الحيف التاريخي الذي عانت منه الإناث والقضاء على الفوارق في توزيع الموارد الوطنية والأسرية بين الجنسين.         

خلاصة

إننا في تنسيقية المناصفة كلنا ثقة بأن الدولة المغربية تصبو اليوم أكثر من أي وقت مضى لإنصاف النساء و لرفع الحيف التاريخي الذي رزحن تحته منذ عقود، بسبب القراءات الذكورية لتراثنا الثقافي والديني. لقد حان الوقت اليوم لتحيين كافة القوانين على ضوء الدستور والتزامات المغرب الدولية التي تمنع التمييز بين الجنسين في كل الميادين و القوانين.

إن المساواة في الإرث بين الجنسين أصبحت ضرورة مجتمعية و اقتصادية  و ثقافية لإنصاف الإناث وحمايتهن من الفاقة و من العنف  ومن التهميش الإقتصادي و من التشرد، ولإتاحة نفس الفرص لهن كالذكور للولوج للموارد ولتمكينهن من وسائل إمتلاك وإنتاج الثروة، من أجل الإسهام الفعال في تنمية الإقتصاد الوطني. 

توصيات

انطلاقا من الاعتبارات الدينية والقانونية والحقوقية و الاجتماعية و الاقتصادية التي سبق ذكرها، توصي المذكرة بضرورة التنصيص في التشريع المغربي على:

1 – جواز تقسيم صاحب الملك للتركة بين ورثته في إطار  الوصية و الهبة و الصدقة.

2 – اعتماد الوصية قاعدة لتقسيم الارث بالمساواة بين الجنسين.

3 – تأطير الوصية قانونيا بما يضمن المساواة في القسمة بين الجنسين بدون تمييز.

4 – حماية الوصية، الهبة والصدقة من الطعون أمام القضاء.   

5 – المساواة في الإرث بين الذكور والإناث.

6 – إلغاء التعصيب.

7 – اعتماد قاعدة “الردّ” في تقسيم التركة عند وجود بنت/بنات في الأسر التي لم تُرزق ذكورا.

8 – التنصيص قانونيا على أن القرابة هي معيار  الحق في الإرث وليس العقيدة.

9 – مواءمة المدونة مع  الدستور  الذي ينص على المساواة بين الجنسين .

10- ضرورة تحديث المناهج التعليمية وتطويرها بما يسهم في خلق جيل مؤمن بمبادئ المساواة وحقوق الانسان و منفتح على المتغيرات العلمية والتكنولوجيا  في العالم.

رقم الإيداع القانوني  2023MO0545

ISBN  978-9920-41-162-2 

 

نموذج الوصية المقترح (1)

أنا الموقعة أسفله

الإسم الشخصي ……… …. الإسم العائلي ……… ….

تاريخ و مكان الازدياد ../../..     ب ……… 

القاطن/ة بالعنوان ……… …. ……… …. ……… ….……… ….

رقم ب وCIN ……… تاريخ انتهاء الصلاحية ../../..

رقم الهاتف ……… …. البريد الإلكتروني……… ….

أشهد وأنا في كامل قواي العقلية وتحت كافة الضمانات القانونية الجاري بها العمل، بأنني أوصي إن وافتني المنية، بتقسيم تركتي -بعد تصفية كل الديون- كالتالي:

– بالتساوي بين الوالدين، حصة الأب كحصة الأم :  %؟

– حصة  الزوجة                                      :   

– بالتساوي بين أولادي ذكورا و إناثا، حصة الذكر تساوي حصة الأنثى :%؟ 

( الحفيدات ترثن و يرث الأحفاد حصة امهن /م البنت أو اباهن / م الولد المتوفى)

– الأقرباء  الاتية اسماؤهن.م و أرقام ب و   °CIN N       :  

– المجموع % 100

حرر بتاريخ ../.. / .. لدى الموثق …………….….بمدينة ………….

توقيع صاحب/ة الوصية       ( مصادق عليه من طرف السلطات)

تلحق بهذه الوصية لائحة الأموال و الأملاك موضوع الوصية و تتضمن على سبيل المثال لا الحصر:

– رقم RIB الحسابات البنكية

– لائحة العقارات و تاريخ إمتلاكها و أرقام رسومها العقارية و قيمتها يوم اقتنائها

– لائحة الشركات و تواريخ إنشائها وارقام السجل التجاري و رساميلها وRIB حساباتها البنكية

– لائحة الممتلكات التي تفوق قيمتها 50.000 درهم (كالسيارات و الشاحنات و وسائل الإنتاج ; وباقي الممتلكات…….).

يمكن توثيق أو تحيين وصية تقسيم التركة إثر:

– تسجيل شراء عقار أي كان نوعه،

– الحصول على رقم السجل التجاري لشركة،

– الحصول على البطاقة الرمادية لشاحنة أو سيارة،

– بلوغ سن الستين عاما، أو إثر مرض عضال أو حادثة خطيرة.

يمكن التفكير في إحداث قاعدة معطيات رقمية وطنية لحفظ وثائق وصايا تقسيم تركة المواطنات و المواطنين، على غرار مصالح المحافظة العقارية ، و ربطها بتسليم شهادة الوفاة، حيث تسلم الوصية مع شهادة الوفاة 

و تسهر مصلحة اجتماعية تابعة لمحكمة الأسرة على التقسيم الفعلي للتركة.

في حالة غياب الوصية، يتم تقسيم التركة حسب مقتضيات قانون مدونة الأسرة.

يتحمل الموثق المسؤولية القانونية لضمان توفر شروط صحة الوصية 

  (1) أنظر خلفه تذكير بشروط صحة الوصية 

– تذكير بشروط صحة الوصية :

  •  القدرة على التمييز لصاحب الوصية capacité de discernement
  •  توثيقها لدى موثق معتمد
  •  عدم حرمان أي كان من الأبناء أو من البنات من الوصية
  •  المساواة التامة والعدل بين الإناث والذكور عند كتابة الوصية 
  • أن لا تكون الوصية وسيلة لحرمان الإناث من التركة أو جزء منها أو تقليص أنصبتهن
  • في حالة عدم توفر شرط المساواة بين الإناث و الذكور في الوصية ، تسهر الجهة القضائية الموكل لها بتنفيذ الوصية، تطبيق المساواة في تقسيم التركة موضوع الوصية
  • يتحمل الموثق المسؤولية القانونية لضمان توفر شروط صحة الوصية 
  • يتعرض الموثق لعقوبة تأديبية تتدرج من الغرامة المالية إلى الحرمان من ممارسة المهنة …………في حالة مصادقته  على وصية لا تتوفر فيها شروط الصحة المذكورة أعلاه.

توصيات المذكرة من أجل المناصفة في الإرث

1 – جواز تقسيم صاحب الملك للتركة بين ورثته في إطار  الوصية و الهبة و الصدقة.

2 – اعتماد الوصية قاعدة لتقسيم الإرث بالمساواة بين الجنسين.

3 – تأطير الوصية قانونيا بما يضمن المساواة في القسمة بين الجنسين بدون تمييز.

4 – حماية الوصية، الهبة والصدقة من الطعون أمام القضاء.   

5 – المساواة في الإرث بين الذكور والإناث.

6 – إلغاء التعصيب.

7 – اعتماد قاعدة “الردّ” في تقسيم التركة عند وجود بنت/بنات في الأسر التي لم تُرزق ذكورا.

8 – التنصيص قانونا على أن القرابة هي معيار  الحق في الإرث وليس العقيدة.

9 – مواءمة المدونة مع  الدستور  الذي ينص على المساواة بين الجنسين .

10- ضرورة تحديث المناهج التعليمية وتطويرها بما يسهم في خلق جيل مؤمن بمبادئ المساواة وحقوق الإنسان و منفتح على المتغيرات العلمية والتكنولوجية  في العالم.

عن تنسيقية المناصفة 

  •  مارية شرف، خبيرة في مجال حقوق الإنسان و المناصفة
  •  سعيد الكحل، أستاذ و باحث في حركات الإسلام السياسي

ShareTwitter

 

 

 

0 CommentsClose Comments

Leave a comment